عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 04-15-2011, 08:45 PM
أبو عبيدة إبراهيم الأثري أبو عبيدة إبراهيم الأثري غير متواجد حالياً
العضو المشارك - وفقه الله -
 
تاريخ التسجيل: Oct 2009
المشاركات: 390
شكراً: 1
تم شكره 24 مرة في 21 مشاركة
افتراضي

رحلاته في طلب العلم :
كابد الشيخ القرعاوي مشاغل الحياة ، جريا وراء لقمة العيش ، ولم يتفرغ لطلب العلم إلا على كبر ، فكان من القلّة الذين جعل الله في علمهم بركة ، وفي إخلاصهم وصدقهم مع الله نتيجة ، وذلك بتفتح السبل ، وتذليل الصعاب ، وسرعة النتائج ، حيث دأب - رحمه الله - على الإخلاص والنصح والدعوة ، منذ كان شابا في عنيزة ، ومع تلاميذه في أول مدرسة افتتح في مسقط رأسه للتعليم : قراءة وكتابة كما نوّه عن ذلك كل من الشيخين
(الجزء رقم : 42، الصفحة رقم: 297)
عبد الله بن بسام ومحمد القاضي وهما ممن عرفا مدرسته إبان طفولتهما ، وسبرا أخباره عن كَثَب . وهو - رحمه الله - وإن لم يتحدث في رسالته التي نشرتها المنهل عام 1367 هـ عن رحلته في العلم : طلبا واهتماما ومتابعة ، إلا أنه أعطى لمحة عابرة تنبئ عن الجهد المبذول في طلب العلم ، والانتجاع من أجله ، عندما قال : وذلك أني لما رجعت من الهند في 22 رمضان سنة 1357 هـ ، وقدمت الرياض ، أقمت عند شيخي الفاضل العلامة : محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ ، أقرأ عليه للمرة الثالثة ، وأما الرابعة فكنت مستمعا ، وأما الخامسة فلم أجده لأنه كان بمكة يومئذ ، وقد ذهبت إلى الأحساء عند فضيلة الشيخ عبد العزيز بن بشر ، وإلى قطر عند فضيلة الشيخ محمد بن مانع ، فقرأت عليهما كليهما في الحديث .
ولكن محرر هذه المجلة ، أوضح في مقدمة اللقاء معلومات أكثر فقال : وقد تحدث إلينا القرعاوي فقال : إنه مع شيبته كان لا يستنكف من تلقي دروس الحساب والخط مع صغار التلاميذ ، في مدرسة إبراهيم الحلواني في مكة المشرفة ، وأنه ارتحل إلى الهند وهو كبير السن لاستكمال الدراسة ، وقد كرر الدراسة مرارا في نجد على شيخه العلامة : الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف بن سليم ، والشيخ عمر بن سليم في بريدة ، وأنه يطبق على نفسه المبدأ القائل : " اطلب العلم من المهد إلى اللحد " . وأنه كان يستعد بذلك كله لهذا العمل الذي قام به في الأخير .

(الجزء رقم : 42، الصفحة رقم: 298)
ويزيد الشيخ عبد الله البسام الأمر وضوحا عندما قال عن طلب الشيخ للعمل إجمالا : نشأ المترجَم له في مدينة عنيزة ، وصار يتعاطى التجارة من حداثته ، وعمه يوجهه ويرشده ، ثم صار له ميل إلى طلب العلم ، فأخذ عن الشيخ عبد الله بن محمد آل مانع ، كما رحل إلى بريدة فلتقاه عن الشيخ عبد الله بن سليم ، وعمر بن سليم ، وترك التجارة وانصرف إلى طلب العلم ، فرحل إلى الهند للتزود من العلم ، وذلك عام 1334 هـ ، والتحق بالمدرسة الرحمانية بدلهي ، وتلقى علم الحديث عن علماء السنة في الهند ، فلما جاءه خبر مرض والدته بعد سنة من وصوله ، عاد إلى عنيزة ولكن توفيت قبل وصوله ، ثم جدّ في طلب العلم ، وصار يقوم برحلات إلى العلماء الكبار في أوطانهم وأمكنة عملهم ، وفي خلالها يعود إلى بلده عنيزة ، فرحل إلى بريدة ، للأخذ عن علمائها ، كما رحل إلى الرياض ، وأخذ عن سماحة الشيخ : محمد بن إبراهيم ، كما رحل إلى الأحساء وأخذ عن قاضيه الشيخ عبد العزيز بن بشر ، كما رحل إلى قطر فتلقى العلم عن العلامة : الشيخ محمد بن مانع ، ثم رحل إلى المجمعة فقرأ على الشيخ عبد الله العنقري ، ثم عاد إلى الهند لإكمال دراسته ، فتلقى علم الحديث عن الشيخ عبد الله بن أمير القرشي الدهلوي ، وأجازه إجازة مطولة ، ورحلته الأخيرة عام 1355 هـ ، ثم عاد عام 1357 هـ .
أما الشيخ محمد القاضي فقد أورد أن الشيخ القرعاوي ذكر له عن طلبه العلم ، وهو معه في المسجد الحرام ، كما أملى عليه رحلاته فقال باستطراد : قرأ القرآن ، وشرع في طلب العلم بهمة ونشاط ومثابرة ، فقرأ على علماء عنيزة ، ومن أبرز مشايخه : الجد صالح بن عثمان ، والخال عبد الله بن مانع ،
(الجزء رقم : 42، الصفحة رقم: 299)
وسليمان العمري ، قاضي الاحساء . . هكذا ذكر لي ، وأنا معه في المسجد الحرام ، وأملى عليّ رحلاته وسأذكرها : فتح مدرسة للتعليم لكتاب الله والخط والحساب ومبادئ العلوم ، وكان مجودا وله صوت رخيم ، واستمر يدرس تبرعا لوجه الله ، والتف إليه طلبة كثيرون ، وإذا حان وقت الصلاة ساقهم إلى المسجد ومعه عصاه ، ومتى رأيناه مقبلا ونحن في طفولتنا ينذر بعضنا البعض : جاءكم القرعاوي ، فنهرب ويرسل علينا عصاه ، وهذا دأبه طول بقائه بعنيزة ، داعية خير ورشد ، وتخرّج عليه قراء مهرة ، وإذا قيل له : اكفف عن الضرب لتسلم من أذيتهم يجيب بأنني قادر على الإنكار باليد ، وفي الصحيح : من رأى منكم منكرا فلغيره بيده وكان إذا طلع الفجر ، يقوم فيقرع بيوت جيرانه : قوموا إلى الصلاة . . الصلاة خير من النوم . بصوت عال ، ويقرع الأبواب حتى يستيقظوا ، ويظهر إلى خارج البلد ، فمن رآه ساقه إلى المسجد بالعصا ، كما يسوق الراعي غنمه ، ومتى لم يمتثلوا ضربهم ، أو رفع بهم إلى الحاكم .
وقد استمر في إبانة ما يهم الناس في أمور دينهم ، بصلابته في الدعوة ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . . إلى أن قال : وبعد عودته من التجارة في الشام إلى عنيزة ، صار يوالي نشاطه التربوي والتأديبي ، وفتح دكانا للبيع والشراء ، وكان صدوقا في المعاملة ، وفي الصباح والليل يلازم مشائخه ، ورحل إلى بريدة فقرأ على علمائها ، ومنهم عبد الله بن سليم ، وعمر بن سليم ، وفي عام 1344هـ سافر إلى الهند ، فقرأ على علماء الحديث في دلهي حوالي سنة ، فبلغه مرض أمه ، وطلبها لحضوره ، عند ذلك أزمع السفر إلى عنيزة ، وماتت - رحمها الله - قبل وصوله ، فبقي عشرة
(الجزء رقم : 42، الصفحة رقم: 300)
أيام ، وغادر عنيزة للاحساء فقرأ على قاضيها ، الشيخ عبد العزيز بن بشر ولازمه ، ثم إلى قطر والساحل ، وقرأ على محمد بن عبد العزيز المانع ، وعاد إلى الرياض فلازم علماءه ، ومن أبرزهم سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ ، وسافر إلى المجمعة فقرأ على قاضيها عبد الله بن عبد العزيز العنقري ، ثم عاد إلى الرياض فقرأ على مشايخه ، ثم رحل إلى الهند للمرة الثانية عام 1355هـ ، فقرأ على علماء الحديث في الهند ، ولازم حمد الله القرشي الدهلوي وأجازه بسند متصل ، وبقي سنتين ، ثم عاد إلى عنيزة ، وكان يتجول في الأسواق ، فمتى رأى امرأة متبرجة ضربها بسوطه ، وإذا سمع بأخوين متصارمين ، سعى للإصلاح بينهما ما أمكنه ، واشتهر بالإصلاح لذات البين ، وسافر في عام 1358م للرياض ، ولازم سماحة الشيخ محمد ، وحج معه ، وبعد أداء المناسك ، طلب الملك عبد العزيز - رحمه الله - من سماحته أن يوجه إلى الجنوب مرشدا ومعلما ، لأمور الدين ، فوجه المترجم له : القرعاوي إليه ووصاه بالإخلاص في دعوته ، وبتقوى الله في السر والعلن ، فسافر في 25 من ذي الحجة من مكة عام 1358هـ ووصل سامطة .
أما الشيخ عمر أحمد في مخطوطته عن الشيخ القرعاوي ، فإنه قد ذكر هذه الرحلة العلمية للشيخ ، ولكن مع اختلاف عما جاء عند الشيخين عبد الله البسام ، ومحمد القاضي ، ولعل هذا من تغير الرواية ، أو اختلاف
(الجزء رقم : 42، الصفحة رقم: 301)
النقل ، وذلك عندما : ذكر - رحمه الله - أنه أول ما سافر إلى الهند لطلب العلم عام 1345 هـ ، ودرس بمدرسة الرحمانية بدلهي للمرة الأولى ، وأقام بها عشرة أشهر ، ثم ذكر أن أمه أرسلت إليه خطابا تطلب فيه حضوره فسافر - رحمه الله - حال وصول الخطاب حسب طلب أمه ، ولما وصل عنيزة ، فإذا هي قد ماتت قبل وصوله بثمانية أيام - رحمهما الله رحمة الأبرار .
وفي طلبه العلم بنجد : ذكر - رحمه الله - أنه جلس بعنيزة سبعة أيام ثم سافر إلى بريدة ، وجلس عند الشيخ : عبد الله بن سليم ، وعمر بن سليم ، ثم سافر إلى مكة ، وطلبوا منه الموافقة على تعيينه قاضيا ، أو مطوعا فسافر إلى مصر هاربا من الوظيفة ، ولقصد طلب العلم ، ولما وصل إلى مصر وجد بعض الأساتذة مخالفين للسنة في بعض أمورهم ، فجلس ما شاء الله ، ثم سافر إلى فلسطين ، زاعما أنه يجد في نابلس علماء ، فحصلت له قصة مع عالم من علمائها ، رواها لي أحد تلامذته ، الشيخ أحمد يحيى النجمي ، وهي : لما وصل إلى مدينة نابلس ، جلس عند شيخ عنده حلقة علم ، يعلم الناس وهو جالس وسط الحلقة ، فلما سأله من أين جاء ؟ فأخبره أنه من نجد ، فقال ذلك الشيخ : من العرب الذين يأكلون الشعير ؟ قال : نعم . ثم قال له الشيخ عبد الله - رحمه الله - : تسمح لي يا شيخ ؟ قال : نعم . قال : أتعرف أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يأكل الشعير ؟ قال : نعم . قال له : فكيف تعيرنا بالشعير ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - أكله . ثم قال له : أتعلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الجلوس وسط الحلقة . قال : نعم . قال له : فكيف تجلس في وسط الحلقة وأنت تعرف هذا النهي . وبالجملة فقد أفحمه ثم سافر من عنده .
ثم سافر - رحمه الله - إلى الشام لطلب العلم عن طريق حيفا وعكا
(الجزء رقم : 42، الصفحة رقم: 302)
وبيروت ، فلم يجد مطلوبه ، فسافر إلى عمان ثم إلى معان ، ثم رجع إلى القصيم ، ثم سافر إلى الرياض ، والتقى بابن سليم وابن بليهد .
ثم ذكر عن طلبه العلم للمرة الثانية بنجد فقال : ذكر- رحمه الله - أنه سافر إلى الرياض فلم يجد الشيخ محمد بن إبراهيم ، فسافر إلى الأحساء ، وجلس يقرأ على الشيخ ابن بشر ، هو وابن دهيش ، وذكر - رحمه الله - أنه كان يدرس على الشيخ ابن بشر ، ويبيع ويشتري ، وكان جلوسه هذا بعد أن طاف على العراق والكويت ، والزبير ، فلم يجد أحدا يدرس عليه ، ثم مرّ على عمان وقطر ، فوجد لدعوته أثرا طيبا في تلك الجهة ، ولكن لم يطل مقامه لعدم المشارك في طلب العلم لديه ، والشيخ مشغول بالقضاء ، كذلك جلس برأس الخيمة أحد عشر يوما ، ثم رجع إلى عنيزة .
وعن طلبه العلم بنجد للمرة الثالثة قال : ذكر - رحمه الله - أنه جلس يقرأ على الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ ، وبعد مدة تشاور مع الشيخ محمد : هل يكمل دراسته بالحجاز ، أو الهند ، فأشار عليه بالسفر إلى عنيزة بلده .
وأخيرا طلب العلم بالهند ، وحصل على الإجازة من شيخه أحمد - وأورد جزءا من نص الإجازة - ثم قال : وقد تحصل ولله الحمد على العلم النافع ، وصار عالما بارعا بالتفسير والحديث ، والتوحيد والفقه ، والمصطلح والفرائض وأصول الفقه والتجويد ، وفي النحو والصرف ، والمعاني والبيان ، والبديع والتاريخ ، والسيرة والإنشاء ، والإملاء والخط والحساب .

(الجزء رقم : 42، الصفحة رقم: 303)
فكان - رحمه الله - عالما بهذه الفنون ، عاملا بما علم ، ويحفظ كتاب الله عن ظهر قلب ، وبعد مضي سنتين بالهند رجع إلى الرياض ، في شهر رمضان عام 1357هـ .
أما الشيخ موسى السهلي ، فقد أفاض في مؤلفه : عن طلب الشيخ القرعاوي للعلم ، بحيث استغرق منه قرابة خمس صفحات ، لم يخرج ما فيها عما جاء عند الشيخين : عبد الله البسام ومحمد القاضي ، إلا أنه زاد في شيوخه تاسعا ؛ هو الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ بالرياض ، وأورد إجازة الشيخ أحمد الله بن أمير القرشي مدير المدرسة الرحمانية السلفية بدلهي ، التي بين فيها أهلية القرعاوي العلمية ، وفضله ومكانته بين العلماء ، وذكر فيها أسماء الكتب التي درسها عليه ، وأجازه بتدريسها .
كما عرض عليه المسئول بالمدرسة الإقامة عندهم ، ليكون مديرا في مدرسة هناك ، ويلقي ثلاثة دروس عربية ، فوافق مبدئيا إلا أنه ما لبث أن اختلف معهم في الرأى ، فاستسمح منهم وعاد إلى نجد ، ونزل مدينة الرياض .
ومن هذا الاستعراض لمن كتب عن طلب العلم للشيخ القرعاوي ندرك أن رواياتهم تباينت ، وأن لدى بعضهم ما يغاير الآخر في الرصد التاريخي ، وعن أماكن طلب العلم ، وعن عدد شيوخه : اسما ومكانا ، ومدة المكث في بعض الجهات لطلب العلم . . إلى غير ذلك .
كما يبرز سبب تطوافه البلدان ، في حرصه على طلب العلم الشرعي ، واهتمامه بالعقيدة السليمة ؛ لأنه يبحث عن بغية رسمها لنفسه بنيه صادقة ، ومع هذا فلم يعزب عن باله المهمة الأساسية التي صوب جهده نحوها ، منذ
(الجزء رقم : 42، الصفحة رقم: 304)
حداثة سنه ، حرصا على حسن المأخذ ، واهتماما بالهدف الذي قصده ، ومواصلة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وأداء لواجب العلم في الدعوة والتعليم .
ومن هذا الهدف بدأ بفتح مدرسة في عنيزة ، وحرص على تعليم طلابه الصلاة ، وحثهم عليها ، ومتابعتهم ، كما اهتم بالأمر بالمعروف ، وإيقاظ الناس للصلاة ، ومتابعة النساء عن التبرج ، ثم لما أنيطت به مهمة الدعوة في جنوب المملكة ، وجد ما يشفي غليله ، ويستوعب جهده في التعليم بفتح المدارس ، وبناء المساجد ، وحفر الآبار ، وفي الدعوة بالتجوال ، وإنكار المنكرات المتفشية في المنطقة من سحر وتعلق بالموتى وغير ذلك .
رد مع اقتباس