منتديات منابر النور العلمية

العودة   منتديات منابر النور العلمية > المنابر الموسمية > منبر شهر رمضان المبارك

آخر المشاركات خطب الجمعة والأعياد (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          مجالس شهر رمضان المبارك لعام 1445هـ (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          تسجيلات المحاضرات واللقاءات المتنوعة (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          جدول دروسي في شهر رمضان المبارك لعام 1445 هـ الموافق لعام2024م (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          تنبيه على شبهة يروجها الصعافقة الجزأريون الجدد وأتباع حزب الخارجي محمود الرضواني (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          صوتيات في الرد على الصعافقة وكشف علاقتهم بالإخوان وتعرية ثورتهم الكبرى على أهل السنة (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          راجع نفسك ومنهجك يا أخ مصطفى أحمد الخاضر (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          [محاضرة] وقفات مع حادثة الإفك الجديدة | الشيخ عبد الله بن مرعي بن بريك (الكاتـب : أبو عبد الله الأثري - )           »          شرح كتاب (فتح القريب المجيب في شرح ألفاظ التقريب) وكتاب (عمدة السالك وعدة الناسك) في الفقه الشافعي (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          التنبيه على خيانة الصعافقة الهابطين في نشرهم مقطعا صوتيا للشيخ محمد بن هادي بعنوان كاذب! (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع طريقة عرض الموضوع
  #1  
قديم 08-04-2013, 12:39 AM
سفيان الجزائري سفيان الجزائري غير متواجد حالياً
موقوف - هداه الله -
 
تاريخ التسجيل: Oct 2009
المشاركات: 1,340
شكراً: 0
تم شكره 33 مرة في 31 مشاركة
افتراضي دَعْوَةٌ إلى الاِجْتهاد في العَشْرِ الأواخر بقلم : الشَّيخ سمير سمراد - حفظه الله


دَعْوَةٌ إلى الاِجْتهاد في العَشْرِ الأواخر




بقلم :
الشَّيخ سمير سمراد - حفظه الله



عبادَ الله!... قبل أيّامٍ قليلةٍ دَخَلَتْ علينا العَشْرُ الأواخِرُ المباركة، ولياليها العظيمة، وإنْ كان قدومُها مُؤْذِنٌ برَحِيلِ هذا الشّهر المبارك والقُرْبِ مِن نِهايته، إلاَّ أنّ ما تحمِلُهُ هذه اللّيالي العَشْر مِن خيرٍ و بركةٍ، قوَّى فِينا الرّغبَة في إِدراكِ خيرِها، وزادنا عزمًا وإِرادةً على الجِدِّ والاِجتهاد فيما بقي، وتَدَارُك النّقص فيما مضى مِن الشّهر، الّذي ما تَبَقَّى منهُ خيرٌ وأفضلُ ممّا ذَهَبَ.


لئن آسَفَنَا قُربُ الرَّحِيل، فإنّ الّذِي يُسَلِّينَا و يَبعثُ الهِمَّةَ والنّشاطَ فِينا، ويزيدُنا رَجَاءً وطَمَعًا في فضلِ اللهِ ورحمته، أنّ في أثناءِ هذه اللّيالي المبارَكات الّتي تبَقَّت: ليلةً عظيمةً، ليلةً شريفةً ذاتَ قَدْرٍ ومنزلةٍ عند الله، تتنزَّلُ لها ملائكةُ الرّحمن تبارك وتعالى، ويَتنزَّلُ لها الرُّوح الأمين، رُوح القُدُس جبرائيل (عليه الصّلاة والسّلام)، يَتنزَّلُون بأمرِ اللهِ عزّ وجلّ مِن السّماء إلى هذه الأرض، فيَمْلَؤُونها خيرًا و بركةً، ويحِلُّ بحُلُولهم الطُّمأنينةُ والسَّكِينة والأمنُ والسَّلامُ: ﴿سلام هي حتى مطلع الفجر﴾.
وتَجِدُ المؤمنَ في هذه اللّيلةِ مُنشرِحَ الصّدرِ مُطمئِنَّ القلبِ، يَجِدُ للعبادةِ لَذَّةً لا يجِدُها في غيرِها، أمّا الشّيطانُ الرّجيم اللّعين، الّذي حَقَّت عليهِ لعنةُ الله، وأُبْعِدَ وطُرِدَ مِن رحمتِهِ عزّ وجلّ، فإنّهُ في هذه اللّيلةِ يَخْسَأُ ويَخْنَسُ، ويَرْجِعُ بالذّلّ، لا يُطِيقُ الخُروجَ في هذه اللّيلة ولا يَسْتَطِيعُهُ، قالَ (صلى الله عليه وسلم) وهُو يَعُدُّ فضلَ هذه اللّيلة وما جعلَ اللهُ فيها مِن البركة: «وَلَا يَخْرُجُ شَيْطَانُهَا حَتَّى يَخْرُجَ فَجْرُهَا»[1]: ﴿سلام هي حتى مطلع الفجر ﴾.
إنّ هذه اللّيلةَ العظيمة الَّتِي هي خيرٌ مِن ألفِ شهرٍ، جعلها اللهُ في هذه العَشْر الأواخر، وأَرْشَدَنَا نبيُّنا (صلى الله عليه وسلم) إلى أن نَتَطَلَّبَهَا في الوِتْرِ مِن ليالي العَشْر، فقالَ: «تَحَرَّوْا لَيْلَةَ القَدْرِ فِي الوِتْرِ مِنَ العَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ»[2]، يعني: في ليلةِ إحدى وعشرين، وثلاثٍ وعشرين، وخمسٍ وعشرين، وسبعٍ وعشرين، وتِسْعٍ وعشرين؛ وهِي آخرُ ليلةٍ.
عبادَ الله!... هَا هِي اللّيالي العَشْرُ قد دَخَلَتْ، وقد مَضَى شَطْرٌ منها، لقد مَضَت ثلاثُ ليالٍ مُباركات، ورَحَلَت عنّا، مَضَت وانقضَتْ ليلةُ الواحد والعشرين، وتَلَتْها ليلةُ الثّالث والعِشرين، وها قد وَدَّعْنَا أمسِ ليلةَ الخامس والعشرين، ولم يَبْقَ لنا مِن شهرنا سوى: خمسٍ، وفي هذه الخمس ليلتان عظيمتان أَرْجَى ما تكونُ ليلةُ القَدْرِ فيهِمَا: ليلةُ سبعٍ وعشرين، وليلة تسعٍ وعشرين، هذا ما تَبَقَّى لنا، فأين المجِدُّون؟ وأين المجتهِدُون؟ لئِن حَصَلَ منّا التّقصير والتّضييعُ في اللَّيالي الماضية، ولَئِن أَقْعَدَنَا العَجْزُ والكَسَل، ففَاتَنَا الكثيرُ مِن الفضل والخير، فلنَحْرِص أيُّها المسلمون ألاَّ تَفُوتَنَا هاتان اللّيلتان، وألاَّ تُغادِرنا كما غَادَرَتْنَا مَن قبلها، لم نَعْمُرْهَا في طاعات، ولم نُحْيِهَا في قُنُوتٍ للهِ وعبادات.
أيُّها المسلمون!...لا نشكُّ في أنّنا نعلمُ كلَّ هذا، ولا يَخْفَى علينا فضلُ اللّيلة، وفضلُ العملِ فيها، فالعالِمُون منّا كثيرٌ! لكنْ العامِلُون قليلٌ!! إنّ الآفة الّتي أَصَابَتْنَا وأَصَابَت الكثيرَ مِنَّا، وإنّ الدَّاءَ الّذي أَقْعَدَنا عن العمل وحَرَمَنا الخير وفَوَّتَ علينا الكثير مِن فُرص الثّواب والتّرقِّي في الدّرجات؛ درجات الآخرة والجنّة، إنّ هذه الآفة هي: آفَةُ العَجْزِ والكَسَل، وإِنّ هذا الدَّاءَ هُو دَاءُ التَّثاقُل عن العبادة، والرِّضَا بأَدْنَى المقامات...ضَعْفٌ في الهِمّة، ومَوْتٌ للعزِيمة والإِرادة..هذا الّذي أَرْهَقَنا ولا يزال يُرْهِقُنا، وعطَّل عنَّا مصالح الدِّين والآخرة، نعلمُ الكثير و الكثير!! نعلمُ أنّهُ يَنبغي لنا أن نُحْيِيَ ليلةَ القدر بالعبادة والطَّاعة، ونُحْيِي ليلَها بالاِجتهاد والتَّشمِير للعمل والقِيام والدُّعاء والذِّكر، ويَتكرَّرُ هذا على مَسامعنا كلَّ عام، ونسمعُهُ في جُلِّ المجالس في مثلِ هذه الأيّام واللَّيالي، نسمعُه حديثًا و كلامًا، لكن يا تُرى هل نجدُه فينا حقيقةً وواقِعًا وعملاً؟ لو ذهَبْنَا نُحاسِب أنفسنا، ونُلقي بنظرةٍ على أحوالنا في هذه اللَّيالي الشّريفة لوجدناها تَضِيعُ علينا أو تَضِيعُ على أكثرنا في غيرِ طاعةٍ و في غيرِ ذِكر...: لَغْوُ كلام، وضحكٌ ولعبٌ، وسَمَرٌ وسَهَرٌ على التّلفاز، أو طاولة «الكَارْطَة» و«الدُّومِينُو»، أو تَنَزُّهٌ وتِجْوَالٌ في الشّوارع والطّرقات، أو نومُ وغَطِيطٌ!!!، وخيارُنا مَن يَكتفي بصلاة التَّراويح مع الإمام، لا يَزِيد على ذلك! فأين نحنُ مِن إِحياءِ اللَّيل كلِّهِ؟! أينَ الاِجتهاد؟ أين القُنُوت للهِ بالقيام والسُّجود، والخضوع والخشوع؟! أين التّضرّع والاِبتهال إلى الله عزّ وجلّ حتّى السَّحَر؟! أين الاِستغفار والبُكاء على الخَطِيئات؟! أين الخوفُ والخشيةُ مِن اللهِ تعالى؟! وذَرْفُ الدُّموع في الخَلَوات في ظُلمات اللّيل؟!
أين نحنُ مِن عبادة السَّلَف الصّالحين واجتهادهم؟
إنّهم لم يكنْ عندهم فرقٌ بين رمضان وغيره، كان اجتهادُهم طِوال السَّنة، كانت عبادتُهم في العِشرين الأُولى مِن رمضان كعبادتهم بقيّة العام، فإذا دخلت العشرُ ضاعفوا الاِجتهاد، وزادُوا في القنوت لله، إنّهم كانوا عُلماءَ حقًّا، وكفى بخشيةِ الله عِلمًا، كانوا علماء؛ عالِمِين بعظمةِ اللهِ؛ يَخشَوْنَهُ حقَّ الخشية، يَتَّقُون يومًا يُرْجَعُون فيهِ إلى الله، أَحْدَثَ فيهِم العِلمُ باللهِ زيادةً في الإيمان وقُوّةً في اليقين، فكانُوا يَتلذَّذُون بالعبادات، ويتذَوَّقُون طَعْمَ مُناجاة اللهِ في اللّيالي المظلِمات، يَنام النّاسُ وهُم قائِمون قانِتون، هل يستوِي هؤلاء العلماءُ وغيرُهم؟ هل يستوي الَّذِين يَعلمُون عظمةَ اللهِ ويَعلمون فضلَهُ وإِنعامَهُ، فيَشكُرونه، ويَشكُرون ويشكُرون... هل يستوِي هؤلاء ومَن لا يشكُرُ الله؟!
إنْ كان النّبيُّ (صلى الله عليه وسلم) لَيَقُومُ أو لَيُصَلِّي حتَّى تَتَوَرَّمَ قَدَمَاهُ أو سَاقَاهُ، فيُقال لهُ، أي: في ذلِكَ: لِمَ تَصْنَعُ هذا؟ لِمَ تَشُقُّ على نفسِك، لِمَ تُجْهِدُ نفسَكَ كُلَّ هذا الجَهْد؟؟ وأنتَ أنتَ: «قَدْ غَفَرَ اللهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ ومَا تَأَخَّرَ»، فيقولُ: «أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا»[3].
هل يَستوِي هؤلاء الشَّاكِرون، وأُولئك الكُسَالَى العَاجِزُون؟ قال تعالى: ﴿أمن هو قانت آناء الليل ساجدا و قائما يحذر الآخرة و يرجو رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون و الذين لا يعلمون﴾؟
الجوابُ: لا، لا يَسْتَوُون، لا يَستوِي القَانِتُ باللّيلِ السَّاجِدُ القائِمُ الخائِف الخاشِع ومَن لم يَكُن كذلِك!
مَن كانَ أَعْلَمَ باللهِ كان لَهُ أَتْقَى، كان لَهُ أَخْشَى وأَخْوَف، وشَمَّرَ عن سَاعِدِ الجِدِّ بالعبادة والطّاعة والسَّهَرِ للهِ، أمَّا مَن لم يكُن عالِمًا، فلَن تَجِدَهُ مع القانِتين ولا السَّاجِدين ولَا المستغفِرِين بالأَسْحَار، ستَجِدُهُ مع اللَّاعِبين اللاَّهِين الغافِلين.
هذا هُو داؤُنا عبادَ الله! عِلْمُنَا الَّذِي تعلَّمناه لم يَنفعْنَا ولم يُؤَثِّر فينا... نَعْلمُ ولكن لا نعمل، والحقيقةُ أنَّنا جاهِلون، لم نعْلَمْ بعدُ!! لأنَّهُ مَن عَلِمَ خَافَ ومَن خَافَ سَهِرَ، وسارَع وبَادَرَ للعمل.
فإن كنّا نعلم! فعِلْمُنا هذا جهلٌ، أو الجهلُ خيرٌ منه!! أو عِلْمُنا هذا غيرُ نافعٍ، عِلْمٌ لم يُبَارِك لنا ربُّنا فيه، فاستولى علينا العَجْزُ والكَسَل، حتَّى صِرْنا نَمَلَُ العبادة، ونتثاقَلُ عنها، تَضِيقُ أنفُسنا، وتَغْتَمُّ قلوبنا، إذا أَطَلْنَا القيام، أو طال بنا مجلسُ الذِّكر! فلا حول ولا قُوّة إلّا بالله.
أين قيامُنا وأين قُنُوتُنا مِن قيامِ وقُنُوت السَّلَف الصّالحين، لقد كانوا في عهدِ عُمَرَ (رضي الله عنه) في رمضان يُصَلُّون بإِحدى عشرة ركعة، وكان أبيُّ بن كعبٍ (رضي الله عنه) قارِئَهُم، وإِمَامَهُم، وَكان يُطِيلُ القراءة، حتّى يقول الرّاوِي: «حَتَّى كان الَّذِينَ خَلْفَهُ يَعْتَمِدُونَ عَلَى العِصِيِّ مِن طُولِ القِيَامِ، ومَا كَانُوا يَنْصَرِفُونَ إِلَّا في أَوَائِلِ الفَجْرِ»[4].
الله أكبر!! اجتهادٌ عظيم، يُحْيُونَ اللَّيلَ كُلَّهُ أو أكثرَهُ قانِتِين لله، يَتْعَبُون ويُصِيبُهم الجَهْد، ويَنَالُ منهم، فيَتَوَكَّؤُون على عِصِيِّهم، كلُّ هذا لأنَّهُم يَرْجُون رحمةَ الله ويَحْذَرُون الآخِرة: ﴿ويحذركم الله نفسه والله رؤوف بالعباد﴾.
وها هُو (صلى الله عليه وسلم) سَيِّدُ القانِتِين وأَعْلَمُ الخَلْقِ بالله، يَقْرَأُ في ليلةٍ وهُو مريضٌ السَّبْعَ الطِّوال[5]، وهي: سورة البقرة وآل عمران والنِّساء والمائدة والأنعام والأعراف والتّوبة، وذاتَ ليلةٍ صَلَّى معهُ حُذيفةُ فقرَأَ (صلى الله عليه وسلم) في ركعةٍ واحدةٍ: البقرة ثُمّ النِّساء ثُمّ آل عمران، وكانَ يَقرؤُها مُتَرَسِّلاً مُتَمَهِّلاً [6].
عباد الله!... كانت أجسادُهم وأبدانُهم تَتْعَب، وكانت أقدامُهُم وسِيقَانُهُم تَتَوَرَّم وتتفطَّر، لكنّهم لا يُحِسُّون بذاك التَّعَب ولا بذَاكَ الألم، لأنّ قُلُوبهم تَعِيشُ مع القرآن عند سماعه، أرواحُهُم طَارَت إلى بارِيها وتَعَلَّقت بكلامه وبِذِكْرِهِ، أرواحُهُم تَطْعَمُ الإِيمان، وتَلْتَذُّ بمُناجاة الله، انقطعت عن الدُّنيا، قلوبٌ تَتَقَلَّبُ في الرّحمة وفي أسبابها، لا عَجَبَ إذن:..أن يَسْهَرُوا، ويَعْتَمِدُوا على العِصِيِّ، فكُلُّ ذلك في ذَاتِ اللهِ!!

* لقد كان نبيُّنا (صلى الله عليه وسلم) يَسْتَعِيذُ باللهِ مِن العَجْزِ والكَسَل، فيقولُ في دُعائه: «اللَّهُمّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ العَجْزِ وَالكَسَل»[7]، وما ذَاكَ إِلاَّ لأنَّهُما مَانِعَان مِن كلِّ خيرٍ، وصادَّانِ عن كُلِّ فضلٍ، ما تَأَخَّرَ المتأخِّرون، وما تَخَلَّفَ المتخلِّفُون إِلاَّ بسببهما. فحَرِيٌّ بالمؤمِنِ أن يَسْتَعِيذَ منهما، ويسألَ اللهَ أن يُقَوِّيَ عَزْمَهُ، ويُعْلِيَ هِمَّتَهُ، ويَشْرَحَ صَدْرَهُ للعمل، وها هِي إحدى وصايا النَّبيِّ (صلى الله عليه وسلم) للمُؤمن: «احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَلَا تَعْجَزَنَّ...»الحديث[8]...
دواءٌ عظيم، ووصيّةٌ مُهِمّة، احْرِص يا عبدَ الله! على ما يُقَرِّبُكَ مِن رّبّك، احْرِصْ على أَلاَّ يَفُوتَكَ خيرٌ، وألاَّ يَضِيعَ مِنْكَ فَضْلٌ، فالأعمارُ مَحدُودة، والآجَالُ ممدودة تُوشِكُ أن تنتهِي، إنْ وَفَّقَكَ اللهُ هذا العام، فأَدْرَكْتَ رمضانَ، وحَضَرْتَ أيَّامَه، وشهِدتَ لَيَالِيه، فلعلَّكَ لا تُدْرِكُهُ العام المقبل! لعلَّ أجَلَكَ يَنْتَهِي قبلَ مَجِيئِه!
لئِن كُنتَ في رمضان هذا؛ الَّذِي تَعِيشُ الآنَ أفضَلَ أيَّامِهِ ولياليه... لئِن كُنتَ مُتَمَتِّعًا بالصِّحّة والعافية، مُمَتَّعًا في سمعك وبصرك وبدنك، سَلِيمةً أعضاؤُك، فلعلَّكَ غدًا -و لا تدري- تَحْضُرُ رمضان المقبل ببَدَنٍ عَلِيلٍ وجِسْمٍ ضعيفٍ سَقِيم، قد دَاخَلَكَ الضّعف وأَنْهَكَكَ المرضُ، فلا تستطيعُ العملَ إذا أَرَدْتَهُ. فاحْرِصْ الآنَ على ما ينفعُكَ في دينِكَ وآخرتك، احْرِصْ الآنَ على الجِدِّ والاِجتهاد، ولَا تُفَوِّت الفُرصة أمامك، إيَّاكَ أن تكُون مِن أهل الغَفْلَة، إِيَّاك أن تَغْلِبَكَ نفسُك، ويُسَيْطِرَ عليك العَجْزُ: «احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَلَا تَعْجَزْ»...
بقيت ليلتان: أعظمُهُما وأَرْجَاهُمَا أن تَكُونَ هِيَ ليلةُ القَدْرِ: ليلةُ سبعٍ وعشرين.
هذه اللَّيلة العظيمة: الَّتِي أَمَرَ النَّبيُّ (صلى الله عليه وسلم) الصَّحابَةَ بقِيَامِهَا، كما قال ذلك أُبيُّ بن كعْبٍ، قَدْ خَصَّهَا (صلى الله عليه وسلم) بمَزِيدِ عِنايةٍ، ففِي حديثِ أبي ذَرٍّ (رضي الله عنه) قال: «صُمْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ (صلى الله عليه و سلم) رمضانَ فَلَمْ يَقُمْ بِنَا شَيْئًا مِنَ الشَّهْرِ [يعني: لم يُصَلُّوا القِيَامَ جَمَاعَةً]، حَتَّى بَقِيَ سَبْعٌ فَقَامَ بِنَا حَتَّى ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيلِ[يعني: صَلَّى بِهِم القِيامَ جماعةً في ليلةِ الثّالث والعشرين]، قال: فلمَّا كانت السَّادِسَةُ لَمْ يَقُمْ بِنَا، فَلَمَّا كَانَتْ الخَامِسَة [يعني: ليلة خمسٍ وعشرين] قَامَ بِنَا حَتَّى ذَهَبَ شَطْرُ اللَّيْلِ [أي: نِصْفُهُ]، فقال أبُو ذَرٍّ: يا رسولَ الله! لَوْ نَفَّلْتَنَا قِيَامَ هَذِهِ اللَّيلة [أي: لَوْ نَفَّلْتَنَا بَقِيَّةَ لَيْلَتِنَا هَذِهِ]، فقال: «إِنَّهُ مَنْ قَامَ مَعَ الإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ؛ كُتِبَ (أو: حُسِبَ) لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ». فَلَمَّا كَانَتْ الرَّابِعَة لَمْ يَقُمْ، فَلَمَّا كَانَتْ الثَّالِثَة [يعني: بَقِيَ ثلاثةٌ مِن الشَّهر، أي: ليلةُ سبعٍ وعشرين] جَمَعَ أَهْلَهُ وَنِسَاءَهُ والنَّاسَ، فقَامَ بِنَا حَتَّى خَشِينَا (أو: تَخَوَّفْنَا) أَنْ يَفُوتَنَا الفَلَاحُ. قلتُ: مَا الفَلَاحُ؟ قال: السُّحُور؛ ثُمَّ لَمْ يَقُمْ بِنَا بَقِيَّةَ الشَّهر»[9].
الشَّاهِدُ مِن هذا: أنَّ النَّبيَّ (صلى الله عليه وسلم) لمَّا حَضَرَت ليلةُ سبعٍ وعشرين، خرج مِن بيتِهِ فجَمَعَ لها النَّاس، وأَحْضَرَ لها نِساءَهُ وأَهْلَهُ جميعًا: زوجاتِه وبناتِه وخُدَّامَهُ ومَوَاليه، جَمَعَهُم في هذه اللَّيلة، وصَلَّى بهم ليلًا طويلًا، قامَ بِهِم حَتَّى تَخَوَّفُوا السّحُور، فهذا مِمَّا يُؤَكِّدُ أنَّ ليلةَ سبعٍ وعشرين هِيَ أَوْكَدُ لَيَالِي العَشْر وأَرْجَاهَا أَنْ تَكُونَ هِيَ: ليلةُ القَدْرِ.
ومِمَّا ينبغي أن نُذَكِّرَ به في هذا المقام هُو:
أنَّهُ كما يَحْرِصُ الإِنسانُ على نَجَاةِ نفسِهِ وفَوْزِهَا وسَعَادَتِها، فَلْيَحْرِصْ أيضًا على نَجَاةِ أهلِهِ وسَعَادَتِهم، والسَّعادةُ الحقيقيَّةُ هِيَ السَّعَادةُ بالدِّين، والتَّقَلُّب في نِعمةِ الإِيمان وأسبابِ الرّحمة، فها هُو نَبِيُّ الرّحمةِ (صلى الله عليه وسلم):
«كَانَ إِذَا دَخَلَتْ العَشْرُ أَيْقَظَ أَهْلَهُ»[10]، لم يترُكْهُم نائِمين، حَرِصَ عليهم كما يَحْرِصُ على نفسِهِ، يُرِيدُ لهم الخيرَ كما يُرِيدُهُ لنفسِهِ، فلا يَلِيقُ بمُؤمنٍ أن يَتْرُكَ أَهْلَهُ ومَن تَحْتَ وِلَايَتِهِ مِن زوجةٍ وأبناءِ و بناتٍ وأرحامَهُ مِن إخوةٍ وأَخَواتٍ، يَترُكُهم لا يُذَكِّرُهْم، ولَا يَنصحُهُم، ولَا يَسْعَى لإِيقَاظِهم مِن غَفْلَتِهِم، يَرَاهُم غافِلِين نَاسِين لأَمْرِ آخِرتهم، مُفرِّطِين مُضَيِّعِين، وهُو يَرَى كُلَّ ذلك، لا يُحَرِّكُ سَاكِنًا، ولا يَنْطِقُ بكلمةٍ، فيَا أَيُّها الأبُ تَفَقَّد أولادَك في هذه اللَّيالي، ذَكِّرْهُمْ ووَجِّهْهُمْ إلى الخير، احْرِصْ على هِدَايَتِهِم بالكلامِ الطَّيِّب المؤَثِّر، كُنْ عَوْنًا لهُم على أن يَستيقظُوا مِن غَفْلَتِهِم، خُصُوصًا في هذه اللَّيالي المبارَكات، كما تُحِبُّ الخيرَ والفضلَ لنفسِك، فأَحِبَّهُ لهُم، احْرِصْ على إِيقاظِهم لقِيامِ اللَّيل والذِّكر والدُّعاء، استيقِظْ أنتَ وأَيْقِظْ زوجَكَ وأولادَك وأهلَك وأهلَكَ، وأَحْيُوا اللَّيلَ بالعِبادة والدُّعاء والذِّكر والاِستغفار، يُبَارِك اللهُ لكم، ويَفْتَحُ لكُم أبوابَ فَضْلِه، ولنَا في النَّبيِّ الكريمِ أُسْوَةٌ، حينَ جَمَعَ أَهْلَهُ ونِساءَهُ ليلةَ سبعٍ وعشرين.
وها هُو (صلى الله عليه وسلم) النَّاصِحُ الأَمِين، يَمُرُّ على مجموعةِ نساءٍ، فيُسَلِّمُ عليهِنَّ، يُحَيِّيهِنَّ ثُمَّ يُذَكِّرُهُنَّ ويُنَبِّهُهُنَّ إلى أسبابِ الخير والفَضْلِ والرَّحمة، تقولُ الصَّحابيَّةُ: (يُسيرة)، وكانت إِحْدَى المهاجِرات، قال لنا رسولُ اللهِ (صلى الله عليه وسلم): «عَلَيْكُنَّ بالتَّسْبِيحِ والتَّهْلِيلِ والتَّقْدِيسِ»، يعني: الْزَمْنَ ووَاظِبْنَ على تَسبيحِ اللهِ وتَهْلِيلِهِ وتَقْدِيسِهِ، أَكْثِرْنِ مِن قولِ: سُبحان الله، ولا إله إلّا الله، وسُبُّوح قُدُّوس، وسُبحان الملِك القُدُّوس وغيرها، ثُمّ قال: «وَاعْقِدْنَ بِالأَنَامِلِ»، أي: اعْقِدْنَ هَذَا التَّسْبِيحَ بِرُؤُوسِ الأَصَابِع، «فَإِنَّهُنَّ مَسْؤُولَاتٌ مُسْتَنْطَقَاتٌ يَوْمَ القِيَامَةِ»، يُنْطِقُ اللهُ هذه الأَصَابِع، فتَشْهَدُ على صاحِبِها بِمَا فَعَلَ مِن خيرٍ، وبِمَا سَخَّرَهُنَّ فِيهِ مِن إِقامةِ الذِّكرِ، ثُمّ قال لهُنّ: «وَلَا تَغْفَلْنَ فَتَنْسَيْنَ الرَّحْمَةَ»[11]، «وَلَا تَغْفَلْنَ»، يُحَذِّرُهُنَّ مِن الغَفْلَةِ، الَّتِي مِن أسبابِها العَجْزُ والكَسَل، «لَا تَغْفَلْنَ فَتَنْسَيْنَ الرَّحْمَة»، يعني: أَسْبَابَ الرَّحْمَة.
فيَا عبادَ الله! لَا تَنْسَوا الرّحمة، واحْرِصُوا على أسبابها، تعرَّضُوا لرَحْمَةِ ربِّكم ولِإِنعامِهِ وفضْلِهِ، أمامكُم ليالٍ مُباركات: ليلةُ سبعٍ وعشرين، وليلةُ تسعٍ وعشرين، اجتهِدُوا فيهما، وضاعِفُوا الجهد، وإِيَّاكم والغَفْلَة، واحْذَرُوا العَجْزَ والكَسَل.
كان نبيُّكُم (صلى الله عليه وسلم) لا يَتْرُكُ قِيَامَ اللَّيلِ في جميعِ أحواله، إِنْ وَجَدَ قُوَّةً وَنشاطًا صَلَّى قائِمًا، وإِنْ مَرِضَ أو كَسِلَ، صَلَّى قاعِدًا [12]، المهِمُّ: أنَّه لا يَتْرُكُ قيامَ اللَّيلِ.
فكُونُوا عبادَ الله كذلك: مَنْ عَجَزَ أو كَسِلَ، فلْيَعْمَل أَدْنَى الأعمال: اذْكُر اللهَ قاعِدًا أو قائِمًا أو مُسْتَلْقِيًا أو على جَنْبٍ، ولا تَعْجَز عن الدُّعاء، فإنَّهُ لا يَعْجَزُ عنهُ إِلَّا أَعْجَزُ النَّاس، قال (صلى الله عليه وسلم): «أَعْجَزُ النَّاسِ مَنْ عَجَزَ عَنِ الدُّعَاءِ» الحديث[13]، فالدُّعاءُ أَمْرٌ سهلٌ ويَسِيرٌ جِدًّا على كُلِّ أحدٍ، لا يَتَطَلَّبُ جُهْدًا عندَ القيامِ به، ولَا يَلْحَقُ الدَّاعِي بسببِهِ تَعَبٌ ولَا مَشَقَّةٌ، فالعَجْزُ عنهُ والتَّثَاقُلُ في أَدَائِهِ هُو أَشَدُّ العَجْزِ! حَرِيٌّ بِمَن عَجَزَ عَنِ الدُّعاءِ مَعَ يُسْرِهِ وسُهُولتِهِ أن يَعْجَزَ عن غيرِهِ، ولَا يَعْجَزُ عن الدُّعاء إلَّا دَنِيُّ الهِمَّة ضعيفُ الإِيمان.. فغَالِبُوا أنفسَكم أيُّها المسلمون فيما تَبَقَّى لكُم، لعلَّ اللهَ أن يَمُنَّ عليكُم ويُوَفِّقَكُم لليلةِ القَدْرِ، فتُدْرِكَكُم رحمةُ اللهِ، ويَشملُكُم فَضْلُهُ العَمِيم... ولَا تَحْرِمُوا أنفسَكم، إِنْ عَجَزْتُم وضَعُفْتُم فِيمَا مَضَى فَلَا تَعْجَزُوا وَلَا تَضْعُفُوا فِيمَا بَقِي، واسْتَعِينُوا باللهِ واطلُبُوا التَّوفيقَ منهُ: «اللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ»[14].

الحواشي :
([1]) انظر: «التّعليقات الحسان على صحيح ابن حبّان» (3680).
([2]) البخاري (2017) ومسلمٌ (1169).
([3]) البخاري (1130) ومسلمٌ (2819).
([4])انظر: «رسالة قيام رمضان» للألبانيّ (ص18).
([5])انظر: «رسالة قيام رمضان» للألبانيّ (ص17).
([6])انظر: «رسالة قيام رمضان» للألبانيّ (ص18).
([7])البخاري (2823) ومسلمٌ(2706).
([8])مسلمٌ (2664).
([9])انظر: «رسالة قيام رمضان» للألبانيّ (ص14) و«التّعليقات الحسان على صحيح ابن حبّان» (2538).
([10])البخاري (2024) ومسلمٌ (1174).
([11])انظر: «صحيح سنن الترمذيّ» (3583) والتّعليقات الحسان على صحيح ابن حبّان (839).
([12])انظر: «صحيح التّرغيب» (632).
([13])انظر: «الصّحيحة» (601).
([14]) مِن أدعيةِ النّبيِّ . انظر: «الصّحيحة» (844)، وصحيح التّرغيب (1596).




التعديل الأخير تم بواسطة سفيان الجزائري ; 08-04-2013 الساعة 02:04 AM
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
طريقة عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:41 PM.


powered by vbulletin