مشروعية الدعاء للشخص بالحسن والجمال
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:
فإن الله خلق الإنسان في أحسن تقويم، وصوره فأحسن صورته، وركبه في أحسن تركيب، وهو من أعجب المخلوقات {وفي أنفسكم أفلا تبصرون}.
ومن حكمة الله عز وجل أن فاوت بين خلقه في الجمال والحسن، واللون والطول والعرض، وهذه أمور كونية قدرية، يرجع فيها العبد بالفضل لله وحده، ويتنبه إلى أن هذا بلاء واختبار عن مدى شكره لربه على ما أعطاه من النعم.
ويشرع للمسلم أن يدعو لأخيه بالحسن والجمال كما فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم.
عن أبي زيد عمرو بن أخطب الأنصاري رضي الله عنه: قال: استسقى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتيته بإناء فيه ماء وفيه شعرة، فرفعتها فناولته، فنظر إليَّ صلى الله عليه وسلم وقال: «ادن مني»، قال: فمسح بيده على رأسه، ولحيته، ثم قال: «اللهم جَمِّلْهُ، وأدم جماله».
وفي لفظ: «جمَّلك الله».
وفي لفظ: «مَسَحَ وَجْهَهُ وَدَعَا لَهُ بِالْجَمَالِ».
قال أبو نهيك رحمه الله: «فرأيته وهو ابن أربع وتسعين وما في رأسه ولحيته شعرة بيضاء».
وقال أنس بن سيرين: «فكان شيخاً كبيراً جميلاً».
وفي لفظ قال أنس بن سيرين: «وكان رجلا جميلاً حسن الشَّمَط». أي: حسن الشيب الذي في اللحية وذلك لقلته وجماله في مواضعه.
قال حفيده عزرة بن ثابت: «فلقد بلغ بضعا، ومائة سنة وما في رأسه ولحيته بياض، إلا نبذ يسير، ولقد كان منبسط الوجه، ولم ينقبض وجهه حتى مات».
رواه ابن سعد في الطبقات، وابن أبي شيبة في المسند والمصنف، والإمام أحمد، والترمذي في سننه، وابن أبي الدنيا في مجابي الدعوة، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني، وأبو يعلى، وابن حبان في صحيحه، وابن السني في عمل اليوم والليلة، والطبراني في الكبير، والدعاء، وأبو الطاهر المخلص في المخلصيات، وأبو نعيم في دلائل النبوة، والحاكم، والبيهقي في الدلائل، والدعوات، وغيرهم من طرق ثلاث صحيحة.
واللفظ من مجموع الروايات.
من فوائد الحديث:
1- فيه مشروعية الدعاء للمسلم بأن يجمله الله ويحسن صورته.
2- مكافأة من أسدى إليك معروفاً بالدعاء له.
3- ذكر ابن السني هذا الحديث تحت باب: "َُمَا يَقُولُ لِمَنْ أَمَاطَ الأَذَى عَنْ طَعَامِهِ وَشَرَابِهِ"، وذكره الطبراني في كتاب الدعاء تحت " باب : مَا يَقُولُ الرَّجُلُ لأَخِيهِ الْمُسْلِمِ إِذَا أَمَاطَ عَنْهُ الأَذَى".
4- فيه بركة جسد النبي صلى الله عليه وسلم حيث مسح على رأس الصحابي ووجهه فظهر أثر بركة ذلك المسح. وهذه المباركة الحسية خاصة برسول الله صلى الله عليه وسلم، أما هذا الدعاء فليس خاصاً.
5- الحديث فيه من دلائل النبوة، وفي القصة استجابة الله عز وجل لدعاء نبيه صلى الله عليه وسلم.
6- حرص المسلم على أخيه بإزالة ما يستقذر من طعامه وشرابه، وهذا مأخوذ من إزالة الصحابي للشعرة من الإناء ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم له بسبب ذلك.
7- مشروعية طلب المسلم من أخيه أن يسقيه ماء أو شراباً أو يطعمه طعاماً بدون تكلف.
والمراد من الدعاء له بالجمال: أن يحسن الله صورته أفضل مما هي عليه، وأن يزيده الله حسناً وجمالاً.
وجمال الصورة وحسنها مما يمدح به الرجل والأنثى كما هو معلوم.
والأعظم من ذلك والأهم: جمال الدين، وكمال الإيمان، وحسن الأخلاق، والثبات والاستقامة على الهداية.
فقد كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم كما أحسنت خَلقي فأحسن خُلُقي" رواه الطيالسي في مسنده، والإمام أحمد، وهناد في الزهد، وابن حبان في صحيحه، وغيرهم بسند صحيح.
قال الطحاوي في شرح مشكل الآثار: «ومعناه عندنا والله أعلم فأحسن ديني».
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد