من عجائب عمر رضي الله عنه وشدة تواضعه لربه عز وجل أنه لما طُعِن ظن أن ذلك بسبب ذنب له فطلب الكشف عن حقيقة ذلك!
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:
فمن عجائب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه هذه القصة:
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : لما طُعن أبو لؤلؤة عمر طعنه طعنتين، فظن عمر أن له ذنْباً في الناس لا يعلمه، فدعا ابن عباس وكان يحبه ويدنيه ويستمع منه،
فقال: له أحب أن نعلم عن ملأ من الناس كان هذا .
فخرج ابن عباس فجعل لا يمر بملأ من الناس إلا وهم يبكون، فرجع إليه فقال: يا أمير المؤمنين، ما أتيت على ملأ من المسلمين إلا وهم يبكون كأنما فقدوا اليوم أبكار أولادهم.
فقال: من قتلني؟
قال: أبو لؤلؤة المجوسي عبدُ المغيرة بن شعبة .
قال ابن عباس: فرأيت البِشر في وجهه، فقال: الحمد لله الذي لم يبتلني بقول أحد يحاجني بقول لا إله إلا الله، أما إني كنت قد نهيتكم أن تجلبوا إلينا من العلوج أحدا، فعصيتموني.
ثم قال: ادعوا لي إخواني، قالوا: ومن؟ قال: عثمان وعلي وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص.
فأرسل إليهم، ثم وضع رأسه في حِجري، فلما جاؤوا؛ قلت: هؤلاء قد حضروا
فقال: نعم. نظرت في أمر المسلمين فوجدتكم أيها الستة رؤوس الناس وقادتهم، ولا يكون هذا الأمر إلا فيكم، ما استقمتم يستقيم أمر الناس، وإن يكن اختلاف يكن فيكم.
فلما سمعت ذكر الاختلاف والشقاق ظننت أنه كائن، لأنه قل ما قال شيئا إلا رأيته.
ثم نزف الدم، فهمسوا بينهم حتى خشيت أن يبايعوا رجلا منهم، فقلت: إن أمير المؤمنين حي بعد، ولا يكون خليفتان ينظر أحدهما إلى الآخر .
فقال: احملوني، فحملناه، فقال: تشاوروا ثلاثا، ويصلي بالناس صهيب.
قال: من نشاور يا أمير المؤمنين؟ فقال: شاوروا المهاجرين والأنصار وسَراة من هنا من الأجناد.
ثم دعا بشربة من لبن، فشرب فخرج بياض اللبن من الجرحين، فعرف أنه الموت، فقال: الآن لو أن لي الدنيا كلها لافتديت بها من هول المطلع، وما ذاك والحمد لله إن أكون رأيت إلا خيرا.
فقال ابن عباس: وإن قلت ذلك فجزاك الله خيرا،
أليس قد دعا رسول الله أن يعز الله بك الدين والمسلمين إذ يخافون بمكة؟ فلما أسلمت كان إسلامك عزا وظهر بك الإسلام ورسول الله وأصحابه؟
وهاجرت إلى المدينة فكانت هجرتك فتحا،
ثم لم تغب عن مشهد شهده رسول الله من قتال المشركين من يوم كذا ويوم كذا،
ثم قبض رسول الله وهو عنك راض،
فوازرت الخليفة بعده على منهاج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فضربت من أدبر بمن أقبل حتى دخل الناس في الإسلام طوعا أو كرها، ثم قبض الخليفة وهو عنك راض،
ثم وليت بخير ما ولى الناس؛ مصر الله بك الأمصار، وجبى بك الأموال، ونفى بك العدو، وأدخل الله بك على كل أهل بيت من توسعهم في دينهم وتوسعهم في أرزاقهم، ثم ختم لك بالشهادة،
فهنيئا لك
فقال: والله إن المغرور من تغررونه،
ثم قال: أتشهد لي يا عبد الله عند الله يوم القيامة؟
فقال نعم. فقال: اللهم لك الحمد.
ألصق خدي بالأرض يا عبد الله بن عمر، فوضعته من فخذي على ساقي، فقال: الصق خدي بالأرض، فترك لحيته وخده حتى وقع بالأرض،
فقال: ويلك وويل أمك يا عمر إن لم يغفر الله لك .
ثم قبض رحمه الله
فلما قبض أرسلوا إلى عبد الله بن عمر، فقال: لا آتيكم إن لم تفعلوا ما آمركم به من مشاورة المهاجرين والأنصار وسَراة من ها هنا من الأجناد .
قال الحسن البصري: وذُكِرَ له فعل عمر عند موته وخشيته من ربه، فقال: هكذا المؤمن، جمع إحسانا وشفقة، والمنافق جمع إساءة وغِرّة.
والله ما وجدت فيما مضى ولا فيما بقي عبدا ازداد إحسانا إلا ازداد مخافة وشفقة منه، ولا وجدت فيما مضى ولا فيما بقي عبدا ازداد إساءة إلا ازداد غِرّة.
رواه ابن أبي عاصم في السنة وفي الأحاد والمثاني مختصرا، والطبراني في الكبير-مختصرا، وفي الأوسط، وأبو موسى المديني في الطائف من علو الإسناد، وابن عساكر في تاريخ دمشق وغيرهم من طريق المبارك بن فضالة قال حدثنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما به.
وسنده حسن كما قال الهيثمي في مجمع الزوائد.
ورمي المبارك بن فضالة بتدليس التسوية خطأ، وقد كان شيخنا الألباني رحمه الله يقول بذلك ثم تراجع عن وصفه بتدليس التسوية، وإنما تدليس السند فقط، وقد صرح بالتحديث، فهو ثقة كما قال أبو زرعة، وثبتٌ كما قال أبو داود السجستاني.
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد
كتبه:
د. أسامة بن عطايا العتيبي
9 / شوال / 1439 هـ