الدرس الثاني
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه .
أما بعد :فما زال الحديث بفضل الله تعالى ورحمة متواصل في هذه الدروس العلمية المباركة حول الكلام على علوم القرآن الكريم. وتكلمنا في اللقاء الماضي عن مقدمة حول أهمية العناية بعلوم القرآن الكريم و عن تعريف القرآن الكريم ، وبين أسمائه ، و أوصافه والفرق بينه ، وبين الحديث القدسي .
ونتكلم اليوم بمشئية الله تعالى عن ( الوحي )
الوحي لغة : هو الإشارة والكتابة والرِّسالة و الإلهام والكلام الخفي وكل ما ألقيته إلى غيرك [1].
والوحي بهذا المعني اللغوي يتناول عدة أمور منها :
الأول : الإلهام الفطري للإنسان ، كالوحي إلى أم موسى {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ } [ القصص : 7] .
قال الشوكاني – رحمه الله - المراد بالإيحاء إليها : إما مجرّد الإلهام لها ، أو في النوم بأن أراها ذلك ، أو على لسان نبيّ ، أو على لسان ملك ، لا على طريق النبوّة كالوحي إلى مريم ، أو بإخبار الأنبياء المتقدمين بذلك وانتهى الخبر إليها.[فتح القدير] .
الثاني الإلهام الغريزي للحيوان ، مثل وحيه سبحانه وتعالى للنحل قال تعالى :{ وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ}[ النحل : 68] . أي ، أَلْهَمَه .
الثالث : الإشارة السريعة أو الكتابة كما في قوله تعالى :{ فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا} [ مريم : 11] .
الرابع : الوسوسة وسوسة الشياطين وإلقاء الشبهات عليهم: {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ } [ الأنعام 121] .
الخامس : وما يُلقيه الله عز وجل إلى ملائكته من أمر ليفعلوه : {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا} [ الأنفال : 12] [2].
اصطلاحًا: هو كلام الله المنزل على نبي من أنبيائه بواسطة أو بغير واسطة .
أنواع الوحي وكيفيته
قد ذكر العلماء للوحي كيفيات :
إحداها : أن يأتيه الملك في مثل صلصلة الجرس ؛ كما في الصحيح [3] ، وفي " مسند أحمد " عن عبد الله بن عمرو : " سألت رسول النبي صلى الله عليه وسلم : هل تحس بالوحي ؟ فقال : أسمع صلاصل ، ثُمَّ أسكت عند ذلك ، فما من مرة يوحى إلَيَّ إلا ظننت أن نفسي تُقبض "[4].
قال الخطابي : والمراد : أنه صوت متدارك يسمعه ولا يتثبته أول ما يسمعه حتَّى يفهمه بعد ، وقيل : هو صوت خفق أجنحة الملك .
والحكمة في تقدمه : أن يُفرِّغ سمعه للوحي ، فلا يُبقي فيه مكانًا لغيره .
وفي الصحيح : أن هذه الحالة أشد حالات الوحي عليه[5] .
وقيل : إنه إنَّما كان ينزل هكذا إذا نزلت آية وعيد أو تَهديد.
الثانية : أن ينفث في روعه الكلام نفثًا ؛ كما قال صلى الله عليه وسلم : " إن روح القدس نفث في روعي.... " أخرجه الحاكم[6]، وهذا قد يرجع إلَى الحالة الأولى ، أو الَّتِي بعدها ؛ بأن يأتيه في إحدى الكيفيتين ، وينفث في روعه .وروعي أي : في جلدي ونفسي معناه أوحي إلي.
الثالثة : أن يأتيه في صورة الرجل ، فيكلمه ؛ كما في الصحيح : " وأحيانًا يتمثَّل لي الملك رجلاً ، فيكلمنِي ، فأعي ما يقول " . زاد أبو عوانة في " صحيحه " : " وهو أهونه علي " [7].
الرابعة : أن يأتيه الملك فِي النوم ، وعدَّ قوم من هذا سورة الكوثر،[ وفيه نظر ، بيانه فِي نوع الفراشي والنومي ] .
الخامسة : أن يكلمه الله إما فِي اليقظة ؛ كما فِي ليلة الإسراء ، أو فِي النوم ؛ كما فِي حديث معاذ : " أتانِي ربِّي ، فقال : فيم يختصم الملاء الأعلى ... " الحديث [8].
وليس فِي القرآن من هذا النوع شيء فيما أعلم ، نعم يمكن أن يعد منه آخر سورة البقرة ؛ [ لما أخرجه مسلم عن ابن مسعود : لَمَّا أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ انتهى إلَى سدرة المنتهى ... الحديث ، وفيه فأُعْطِي رسول الله صلى الله عليه وسلم منها ثلاثًا : أُعطي الصلوات الخمس ، وأعطي خواتيم سورة البقرة ، وغُفر لمن لا يشرك من أمته بالله شيئًا الْمُقْحِمَات ] ؛ وبعض سورة الضحى ، و { أَلَمْ نَشْرَحْ} ؛ فقد أخرج ابن أبي حاتم من حديث عدي بن ثابت ؛ قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم : " سألت ربى مسألة وددت أنى لم أكن سألته ، قلت : أى رب ، اتخذت إبراهيم خليلا وكلمت موسى تكليما ، فقال يا محمّد ، ألم أجدك يتيما فآويت ، وضالا فهديت ، وعائلا فأغنيت،وشرحت لك صدرك وحططت عنك وزرك ، ورفعت لك ذكرك ، فلا أذكر إلا ذكرت معى» .
يتبع ...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] - لسان العرب (9/243) .
[2] - لسان العرب ، مباحث في علوم القرآن ، وفتح القدير ، والتفسير الميسر . بتصرف .
[3] - كما في حديث عائشة رضي الله عنها في صحيح البخاري ومسلم .
[4] - وهذا حديث ضعيف كما ضعفه العلامة الألباني في الضعيفة بواسطة غاية البيان لأحمد بازمول – حفظه الله - .
[5] - متفق عليه .
[6] - الحديث حسن لغيرة كما في غاية البيان .
[7] - أخرجه البخاري ومسلم .
[8] - صحيح أخرجه أحمد في المسند نقلاً عن غاية البيان .